مسؤول أممي حقوقي: المحادثات مع السلطات السورية مطمئنة بشأن شمول جميع السوريين في العملية الانتقالية
قال مسؤول رفيع في مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إن هناك عملا كبيرا وأجندة مزدحمة للمفوضية فيما يتعلق بملفات حقوق الإنسان في سوريا لبناء مستقبل أفضل ومنع تكرار ما حدث خلال السنوات الماضية تحت حكم النظام السابق.
وفي حوار خاص مع أخبار الأمم المتحدة، تحدث محمد النسور رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان من دمشق عن الزيارة التاريخية للمفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك إلى سوريا قائلا: “كان لا بد للمفوض السامي السيد فولكر تورك أن يزور سوريا نظرا لأهمية ملفات حقوق الإنسان”.
وأشار إلى أنه من المتوقع أن ينتقل مكتب المفوضية المعني بسوريا إلى داخل البلاد قريبا، والذي يعمل منذ عام 2012 من بيروت. وشدد على أن هناك حاجة ماسة للتعاون في المرحلة القادمة، “وخصوصا في ملف المفقودين”، مضيفا أنه “من المهم جدا تطبيق العدالة الانتقالية”.
وقال النسور كذلك إن الحديث مع السلطات الحالية في سوريا كان مطمئنا جدا بشأن أهمية شمول جميع السوريين في العملية الانتقالية وبناء سوريا الجديدة.
فيما يلي نص الحوار الذي أجريناه مع محمد النسور، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.
أخبار الأمم المتحدة: أنهى للتو المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك زيارة دامت يومين إلى سوريا. هل لك أن تحدثنا عن هدف الزيارة واللقاءات التي عقدها؟
السيد محمد النسور: هذه أول زيارة للمفوض السامي لحقوق الإنسان لسوريا. لم يسبق لأي مفوض سام من قبل زيارة سوريا منذ إنشاء مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان. وهذه الزيارة ذات أهمية خاصة نظرا للتغييرات التي حصلت في الشهر الماضي والثورة السورية وقيام حكومة القائمة الآن – الحكومة الانتقالية – بالسيطرة على البلاد، وأيضا البدء في بناء سوريا الجديدة. فبالتالي كان لا بد للمفوض السامي السيد فولكر تورك أن يزور سوريا نظرا لأهمية ملفات حقوق الإنسان.
كما تعلم المفوضية السامية لحقوق الإنسان قامت عبر سنوات الثورة السورية بتقديم العديد من التقارير حول الاعتقال، الاختفاء القسري، التعذيب، القتل في سجون النظام السابق، وغيرها من الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان – بالإضافة إلى المجازر التي ارتكبت، وتدمير المناطق المدنية، وأيضا الهجمات بالسلاح الكيماوي. فكان من الضروري أن تأتي هذه الزيارة. وأعتقد هذه الزيارة كان لها أصداء إيجابية بين السوريين السلطات الرسمية هنا في دمشق.
أخبار الأمم المتحدة: من خلال مناقشاتكم مع الأطراف السورية، ما مدى ثقتكم بأن الانتقال السياسي الذي تحدثت عنه يسير في اتجاه إيجابي؟ وهل تشعرون بأن حقوق الإنسان تحظى بالأهمية التي تستحقها؟
السيد محمد النسور: يجب أن أقول بأن هنالك يعني صورة غير إيجابية لدى الشعب السوري، وأيضا السلطات، حول الأمم المتحدة. هناك نوع من الإحباط وخيبة الأمل أنه خلال السنوات الأربع عشرة الماضية، الأمم المتحدة – حسب السوريين في الشارع – لم تقم بما يمكن أن تقوم به لإعادة اللاجئين أو للإفراج عن المعتقلين أو الذين قتلوا تحت التعذيب. هذا أمر طبيعي في إطار الوضع السوري والمسألة السورية. وأيضا السلطة الانتقالية الآن لديها بعض المآخذ من هذا القبيل.
لكن فيما يتعلق في ملفات حقوق الإنسان، نعتقد أن هنالك حاجة ماسة للتعاون وخصوصا في ملف المفقودين. كما تعلم الجمعية العامة للأمم المتحدة قامت العام الماضي بإنشاء مؤسسة خاصة بالمفقودين في سوريا، وبدأت هذه المؤسسة عملها، ونحن ندعم عمل هذه المؤسسة.
النظام السابق في سوريا كان قد منع المفوضية السامية من أن تعمل داخل سوريا، وبالتالي نتوقع إن شاء الله أن ينتقل مكتب المفوضية المعني بسوريا إلى داخل سوريا. منذ عام 2012، نعمل من خلال مكتبنا في بيروت.
هناك توقعات لدى المجتمع المدني كبيرة جدا لملفات حقوق الإنسان، بالإضافة للمفقودين، هناك الانتقال الديمقراطي، والعدالة الانتقالية، وهذا الأمر أخذ حيزا كبيرا من مباحثات السيد تورك، سواء مع المجتمع المدني أو السلطات الرسمية.
نتوقع أن يكون هناك عمل كبير وأجندة مزدحمة للمفوضية السامية فيما يتعلق بملفات حقوق الإنسان لبناء مستقبل أفضل ومنع تكرار ما حدث خلال السنوات السابقة تحت حكم النظام السابق.
أخبار الأمم المتحدة: هناك تقارير تفيد بأن سلطات تصريف الأعمال تعمل على إنشاء محاكم خاصة لمحاسبة مسؤولي النظام السابق وأعوانه على الجرائم المزعومة التي ارتكبوها بحق الشعب السوري. هل تمت مناقشة هذا الأمر مع المفوض السامي؟
السيد محمد النسور: حقيقة، لم يتم نقاش هذا الأمر مع السلطات، لكن أثير من قبل منظمات المجتمع المدني. لا نعلم إذا كان هذا الأمر سوف يتم، لكن ما نعلمه بالتأكيد أن القضاء في سوريا بحاجة للإصلاح ودعم وأن تكون هناك سلطة قضائية قائمة على المعايير الدولية.
وبالتالي، من الممكن إنشاء محاكم وطنية لمحاكمة على جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، لكن يجب أن يكون هناك قضاة مدنيون، وأن نبتعد عن القضاء العسكري والمحاكم الخاصة، لأن تجربة سوريا تحديدا في هذه الأنواع من المحاكم الخاصة هي تجربة سلبية جدا. والشعب السوري والمجتمع المدني لديه تحفظات على مثل هذه التجارب. وإذا طلب منا إبداء الرأي، فنحن بالتأكيد سوف ننصح ونقدم المشورة في هذا الشأن.
أخبار الأمم المتحدة هل تعتقدون أن هؤلاء الأفراد وغيرهم من الذين ارتكبوا جرائم مزعومة في سوريا، يجب أن يواجهوا العدالة في بلدهم أو على المستوى الدولي؟
السيد محمد النسور: سوريا ليست طرفا في المحكمة الجنائية الدولية. ممكن لسوريا أن تصبح طرفا بأثر رجعي. وممكن أن يحيل مجلس الأمن الملف السوري والانتهاكات والمرتكبين إلى المحكمة الجنائية الدولية، حسب اختصاص المحكمة.
وأيضا هناك المحاكم في بعض الدول التي لديها اختصاص عالمي ويمكن – إذا وجد أحد الأشخاص المتهمين على إقليم هذه الدولة – أن تتم محاكمته. ويمكن للحكومة السورية نفسها أن تقيم محكمة خاصة، أو محكمة تختص بالجرائم التي حصلت في الفترات السابقة.
ما نريد أن نقوله هنا إنه من المهم جدا تطبيق العدالة الانتقالية، لدينا تجارب في المنطقة وخارجها تتعلق بجبر الضرر والاعتراف. أهم شيء بالنسبة لأهالي الضحايا هي معرفة مصير أفراد الأسرة والأحباء الذين فقدوا، ليس فقط خلال 14 سنة التي حصلت فيها الثورة، لكن منذ السبعينيات من القرن الماضي. فبالتالي حجم ملف العدالة كبير جدا في سوريا والناس لديها توقعات كبيرة في هذا الشأن.
نعلم أن الحكومة الحالية لديها أولويات في الأمن والاقتصاد والمعاشات والكهرباء، ولكن نعتقد – حسب ما سمعنا – أن هناك رغبة شعبية كبيرة جدا بتحقيق العدالة.
أخبار الأمم المتحدة: كما ذكرت، هناك خطط لإعادة مكتب حقوق الإنسان إلى سوريا، وتحدثت عن العدالة الانتقالية. كيف يمكن للمكتب أن يدعم مبدأ المساءلة وإنهاء الإفلات من العقاب؟
السيد محمد النسور: هذا مبدأ مهم جدا. كانت لدينا تجارب في تونس بعد الثورة التونسية في تأسيس هيئة للكرامة والإنصاف – ودعمناها بكافة الخبرات. ممكن الاستفادة أيضا من خارج المنطقة العربية. القيادة السورية الحالية تقول بعدم جواز الانتقام وأخذ الحق بالذات وهذا تصريح جيد، لكن يجب أن يتبعه تأسيس هيئة للعدالة الانتقالية، بحيث تضمن أولا حصر المفقودين والضحايا، البحث في جبر الضرر – والتعويض المعنوي أيضا كما أشرت، ومن ثم تقديم المتهمين أو الذين يثبت عليهم ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، إلى العدالة.
هذا أمر مهم جدا، ويوجد اهتمام من المجتمع المدني. أنا أعتقد أن هذا الملف سوف يُطرح في المستقبل القريب. وأعتقد – ليس فقط المفوضية السامية – بل كل أجهزة الأمم المتحدة يجب أن تتكاتف وتتعاون لوضع خطة استجابة لاحتياجات سوريا في المرحلة القادمة ولبناء سوريا.
هناك مواضيع ومجالات كثيرة في سوريا بحاجة للدعم من حيث التنمية والاقتصاد والحقوق الاقتصادية، والتعليم، وحقوق الإنسان، والعدالة. فبالتالي، لا أعتقد أن مكتبا واحدا أو وكالة أممية واحدة قادرة وحدها على الاستجابة. نحن بحاجة لتعاون منظومة الأمم المتحدة المتكاملة.
أخبار الأمم المتحدة: بالنسبة لعمليات التمشيط التي تقوم بها السلطات الحالية لملاحقة فلول النظام السابق، كيف يقيم مكتبكم هذه العمليات؟ وهل تمت مناقشة هذا الأمر مع السلطات؟
السيد محمد النسور: حقيقة، كان الهدف من اللقاءات هو بناء الثقة وأيضا الحصول على موافقة مبدئية على نقل مكتب سوريا من بيروت إلى دمشق. وأعتقد إن شاء الله سنقوم بهذا في الأيام القادمة.
هناك عدد كبير من التقارير التي تردنا عن استهداف لبعض الأقليات الدينية وبعض أفراد المجتمع وبعض من كان يتعاون مع النظام السابق. هناك العديد من التقارير، لكن لم يتسن لنا أن نتأكد منها بدون وجود موظفين على الأرض، وبدون الرصد والمتابعة، وبدون وجود أيضا نقطة اتصال واضحة مع الحكومة الحالية حول مواضيع حقوق الإنسان.
كما تعلم عملنا لا يتناول فقط البيانات الصحفية. نحن نقوم بالدبلوماسية والاتصال. حتى الآن لا توجد دائرة في وزارة الخارجية تعنى بحقوق الإنسان بشكل تكون نقطة اتصال لنا لإثارة أي مشاغل تتعلق بحقوق الإنسان. فوجودنا هنا مهم. نساعد القائمين على هذه الدوائر. وإن شاء الله في المستقبل القريب سنتمكن من التحقيق في جميع الأخبار الإعلامية لأن هناك كثيرا من الأخبار قد لا تكون دقيقة فيما يتعلق بسوريا.
أخبار الأمم المتحدة: بالنسبة للأقليات في سوريا وحقوق المرأة، هناك تطمينات تأتي من السلطات الحالية، والمجتمع الدولي لطالما وضع هذا الموضوع على رأس جدول الأعمال. هل تلقيتم ضمانات عن مشاركة هذه الفئات في تشكيل مستقبل البلاد؟ ما تقييمكم للحديث الدائر حاليا في سوريا؟
محمد النسور: الحديث أعتقد كان مطمئنا جدا على أهمية شمول جميع السوريين في العملية الانتقالية وفي بناء سوريا الجديدة. هذه التصريحات كانت موجودة وأيضا ضمن الحديث الذي حصل اليوم وأمس مع السلطات. فبالتالي هنالك تأكيدات.
يجب أيضا أن نأخذ بعين الاعتبار كيفية تقديم المشاغل للسلطات الآن في دمشق. التركيز على فئة محددة دينيا أو أي فئة أخرى في المجتمع قد يساء تفسيره بطريقة أو بأخرى. نحن نقول إنه حسب مبادئ حقوق الإنسان يجب أن تشمل أي عملية ديمقراطية أو صنع قرار الجميع بدون استثناء مكونات المجتمع.
فبالتالي أعتقد أنه يجب أن يكون هذا الخطاب من جهتنا إلى الجهات في دمشق. وهنالك حسب ما سمعنا تأكيدات بأنه لن يكون هناك مساس بالمرأة أو الأقليات الدينية وأن جميع مكونات المجتمع سوف تشارك في العملية الانتقالية.
كما تعلم هنالك حوادث فردية تحصل الآن وفي الأيام السابقة، لكن التصريحات الرسمية تقول إنها حوادث فردية ولا تشكل سياسة الحكومة القائمة الآن. نحن نأمل أن نقوم بالنصح وتقديم أي شيء يلزم بما يضمن مشاركة الجميع وعدم تكرار ما حصل في السابق لأن الأزمة السورية في أساسها هي أزمة حقوق إنسان.